المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عملية "الرصاص المتدفق".. ما بين الدعاية والحرب النفسية


ابن الخليل
12-30-2008, 01:02 PM
مفكرة الإسلام: بعيدًا عن مشاهد القتل والدماء التي تخضب وجه الأبرياء في غزة، ليس تقليلاً من أرواح الشهداء ولا استهانةً بأنَّات الضعفاء من الجرحى والمصابين نساءً وأطفالاً وشيوخًا، ولكن بحثًا عن قراءة تحليلية لما وراء العملية الإجرامية التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين من سكان قطاع غزة الأبي الصامد، تلك العملية التي أطلق عليها اسم "الرصاص المتدفق" وبدأها يوم 27/12/2008 دون أن يحدد موعدًا لإنهائها، ليجعل كل الخيارات مفتوحة أمام جريمة حرب جديدة تضاف إلى سجل مجرمي الحرب الإسرائيليين منذ إعلان قيام دولتهم المزعومة عام 1948 وما قبله.

إن القراءة المتأنية لسياق عملية "الرصاص المتدفق" يكشف عن ملمحين أساسيين تدور تلك العملية في إطارهما باعتبارهما الهدفين الأساسيين المرجوَّين من ورائها، فضلاً عما يعكسه هذان الملمحان أو الهدفان من دلالات مهمة ذات أبعاد متداخلة.
أما الهدفان الأساسيان االلذان تسعى إسرائيل إلى تحقيقهما عبر هذه العملية فهما؛ الدعاية لنفسها من ناحية والحرب النفسية لأعدائها من ناحية أخرى، والدعاية – بشكل عام - هي تنظيم الوسائل التي تُصَمم لإقناع الناس بأن يفكروا ويسلكوا بطريقة معينة وهذا يعني في زمن الحرب دفعهم إلى القتال أو إلى مساندة القتال وتأييده، بينما الحرب النفسية على الجانب الآخر هي اتخاذ كافة الوسائل التي تهدف إلى إقناع الطرف المقابل ألا يخوض القتال وحثه على إلقاء سلاحه بدلاً من أن يواصل اﻟﻤﺨاطرة بحياته وحياة من وراءه، ومن ثم فإنه يمكن القول إن العصابة الحاكمة في إسرائيل تدير عملية "الرصاص المتدفق" وفقًا لاستراتيجية ثنائية الأبعاد يهدف أولاهما إلى الدعاية والتبرير لسياساتها وممارساتها في الأراضي المحتلة، فضلاً عن تحسين صورتها التي اهتزت بشدة داخليًا وخارجيًا في ظل حقبة رئيس الوزراء المستقيل إيهود أولمرت الضعيف والفاسد في آن واحد، بينما يهدف الثاني إلى إجهاض نموذج حماس المقاوم وإخماد جذوة المقاومة في جموع الأمة الإسلامية تبعًا لذلك والتي تنظر للمقاومة الفلسطينية باعتبارها بصيص النور والأمل في خضم بحر العجز التي تحيق ظلمته بالأمة منذ عقود خلت وإلى الآن.


وفيما يتعلق بالبعد الأول ذي الصبغة الدَعائية، فقد ارتكزت إسرائيل في إدارته على شقين أحدهما قبلي سابق والآخر بعدي لاحق، أما الشِّق القبلي فيتمثل في إبراز استعدادها لتمديد اتفاق التهدئة مع الفصائل الفلسطينية، والذي انتهى رسميًا قبل بدء العملية بأيام قليلة، مع التأكيد على أن حماس هي الرافض والمعرقل لهذا التمديد – مع إغفال مبررات حماس القوية لهذا الرفض – لإظهار الأخيرة في صورة المُصعِّد للأمور والحريص على إشعالها، مع استمرار التشاور مع الوسيط المصري المعني بذلك الأمر لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي المصري بالأساس حتى آخر لحظة للتغطية على نواياها الحقيقية بإشعال غزة، بل والذهاب إلى أبعد من ذلك بتوريط النظام المصري لدى الرأي العام العربي واتهامه بالموافقة الضمنية على تنفيذ العملية بناءً على إطلاق التهديد والوعيد بحق حماس من القاهرة على لسان وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أثناء لقائها بالرئيس المصري حسني مبارك قبل ساعات من بدء العملية الإجرامية في غزة.


وأما الشِّق البَعدي فيتمثل في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بأن ما يحدث في غزة هو مجرد بداية وأن الأسوأ لم يأت بعد، وذلك بهدف إعادة الهيبة للعسكرية الإسرائيلية التي تضررت كثيرًا بعد إخفاقات حرب صيف 2006 على حزب الله في لبنان، هذا إلى جانب استخدام ورقة الخلافات بين حماس والرئيس الفلسطيني محمود عباس لكسب تأييد الأخير ليقوم بجولة عربية شملت بعض العواصم العربية الكبرى كالقاهرة والرياض ليلقي – في مؤتمراته الصحفية باللائمة على حركة حماس وإبراز أن ما تقوم به الآلة العسكرية الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني في غزة إنما هو رد فعل على صواريخ حماس وتصعيد المقاومة.


وفيما يتعلق بالبعد الثاني ذي الصبغة النفسية، فقد أدارته إسرائيل بحرفية إجرامية عالية عبر تكثيف هجماتها الجوية بحق الشعب الأعزل في غزة لإسقاط أكبر قدر من الشهداء في غضون ساعات قليلة مع توسيع رقعة الدمار والتخريب بحق المنشآت المدنية بالأساس لتحقيق عدد من الأهداف النفسية داخل غزة وخارجها، أهمها؛ المساس بعزيمة أبناء المقاومة ومناصريهم وإشعارهم بالعجز عن مواجهة آلة عدوهم العسكرية وقدراته التدميرية، وحثهم على مقارنة أوضاعهم المعيشية بأوضاع إخوانهم الآخرين في الضفة الغربية تحت سلطة محمود عباس - حليف إسرائيل الأول والمؤتمر بأمرها والمنسق معها ضد حماس وفصائل المقاومة – وذلك حتى يلفظوا حماس وينقلبوا عليها، ليعيشوا وينعموا بأمن زائف كأبناء الضفة كما تصوره لهم السلطة، هذا فضلاً عن التقليل من رصيد حماس الشعبي لدى الرأي العام الإسلامي بتحميلها مسؤولية ما يجري، وزعزعة ثقته في جدوى المقاومة من الناحية الواقعية ليجنح الجميع نحو السلم المزعوم وفقًا للرؤية الصهيونية
هذا عن أهداف عملية "الرصاص المتدفق" وإدارتها إسرائيليًا، أما عن دلالات تلك العملية فقد جاءت وقتية بالأساس، استثمارًا للظرف الزمني الراهن عالميًا وأمريكيًا وإسرائيليًا وفلسطينيًا، فأولاً من الناحية العالمية، جاء العدوان الصهيوني هذه المرة في وقت تنشغل فيه معظم دول العالم للملمة شملها اقتصاديًا بعد سلسلة الضربات والهزات المالية التي أصابت النظام الرأسمالي المعولم في إطار الأزمة المالية العالمية، لتدلل هذه العملية على أن عالم ما بعد تهاوي الرأسمالية لن ينشغل بغير قضاياه المعيشية بالأساس أما قضايا السلام والتنمية فلا مجال لها الآن، ويتضح هذا جليًا في ردود الفعل الهزيلة عالميًا على العدوان الصهيوني الآثم والذي لم تحرك له إسرائيل ساكنًا مستمرة في عدوانها ضاربة عرض الحائط بمطالب الجميع.وثانيًا أمريكيًا، أرادت إسرائيل أن تبلغ رسالة للرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما مفادها "أنها هنا" وأنها تعارض ما أعلنه أوباما إبان حملته الانتخابية وما بعدها من توجهات سلمية نحو معالجة قضايا الشرق الأوسط سواءٌ فيما يتعلق بملف السلام أو الملف النووي الإيراني، مع إشارة ضمنية بأنها لم تعد تنتظر الضوء الأخضر من واشنطن لتنفيذ ما تراه ضروريًا لأمنها القومي ووجودها.


وثالثًا إسرائيليًا، دللت العملية أن الدم الفلسطيني بنظر مجرمي إسرائيل ما هو إلا ورقة انتخابية، فإذا كان نتنياهو الليكودي المتطرف قد هدد بالقضاء على حماس حال فوزه برئاسة الوزراء، فإن منافسته ليفني الكاديمية – الواجهة السياسية للعدوان على غزة - أرادت أن تقول للناخب الإسرائيلي إنها ليست بأقل تطرفًا من نتنياهو، وكذلك وزير الدفاع زعيم حزب العمل إيهود باراك – الواجهة العسكرية للعدوان – أراد أن يرسل إلى الناخبين ذات الرسالة، الكل يتنافس لبناء مجده الشخصي على حساب الأبرياء في غزة.

ورابعًا فلسطينيًا، كشف العدوان الغاشم على غزة أن العرب تُوُدِّعَ منهم، وأن المقاومة الفلسطينية عليها أن تغير استراتيجيتها دون انتظار لدعم من أحد، كما بات الأمر واضحًا لا لبس فيه لدى المواطن الفلسطيني بزيف أطروحات السلطة، حيث سقطت ورقة التوت التي كان يخفي بها محمود عباس وسلطته عمالتهم للصهاينة ومتاجرتهم بالقضية الفلسطينية لتحقيق منافعهم الخاصة بعد موقفهم المخزي وتنسيقهم مع المجرمين الإسرائيليين لتحقيق نقطة في حربهم ضد حماس ولو على أشلاء الأطفال والنساء والضعفاء.


وختامًا فإذا كان قادة حماس قد دَعَوا إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة، فلتكن الآن فليس لدى الفلسطينيين ما يبكون عليه، ولا مجال للتردد ولا وقت للتأخير، وليُنَحُّوا أحزانهم جانبًا وليرفعوا رايات الجهاد في سبيل الله، فلربما أيقظت انتفاضتهم بقية الروح الحرة في الجسد العربي والإسلامي فولَّدت الانتفاضة الفلسطينية انتفاضات أكبر وأشمل تعيد للأمة كرامتها السليبة وتبعث فيها الأمل من جديد.

ابتسامة الحياة
12-30-2008, 01:13 PM
الله يعطيك العافيه

صدى الحب
12-30-2008, 01:57 PM
[size="5"]يعطيك العافية اخي
ما ننحرم /size]